أنا لست ضد الإبل والنوق العصافير ولكنى ضد أن تحكمنا أحلام العصافير! بل على العكس أنا محب لها ومتعاطف معها ولا أحمل أى ضغينة شخصية ضدها، فالجمل والناقة وجميع أنواع الإبل حيوانات رقيقة طيبة صابرة نحاول نحن للأسف أن نحولها لحيوانات مبروكة ومقدسة! هى أعظم الحيوانات قدرة على الاحتمال ولكن لابد ألا نحملها بما ليس فيها وما هو فوق طاقتها فنطلب منها أن تصبح مصنع أدوية متحركاً من لبنها وبولها! وللأسف أُعلن للأستاذ المحترم عبدالله النجار، رئيس المؤسسة العربية للعلوم والتكنولوجيا، أن العلم لا ينظر إلى كم البركة فى الحيوان ليستمد منه الفائدة العلمية، وبأسف أشد وأسى أعمق أهمس له بخبر مزعج، هو أن حيوان الخنزير الذى نجرده من البركة خدم علوم الطب أكثر من الناقة فى المعامل والعلاجات من الصمامات وحتى الأنسولين !!

بداية أقول للأستاذ الدكتور النجار إننى لا أناقش قضية علاج السرطان بحليب وبول الإبل من منطلق تخصصى الطبى، ولكن من منطلق التفكير العلمى المنطقى الذى من الواجب أن يسكن أى بنى آدم، وأى طالب طب درس الفارماكولوجى يستطيع أن يفند تلك الأوهام التى تقول إن السرطان يعالج بحليب وبول الإبل، صدمتى لم تكن من فحوى الموضوع بأن بول الإبل يعالج السرطان ولكن الصدمة الحقيقية أن يصدر هذا الكلام عن شخص فى هذه المكانة ومنوط به إدارة مؤسسة تحمل هذا الاسم البرّاق.

براءة الاختراع يا دكتور عبدالله هى مجرد حفظ حق ولا تعلن إطلاقاً عن الاعتراف باكتشاف دواء! براءة الاختراع حتى ولو تولى مسؤوليتها أعظم محام فى تاريخ الكون هى مجرد ورقة لا قيمة لها فى دنيا الدواء والصيدلة إلا لحفظ حق صاحبها فى نسبة هذا الاكتشاف إليه، ومادامت هذه البراءة لم تتحول إلى دواء معترف به مر بكل الخطوات العلمية فهى لا تساوى إلا ثمن الحبر الذى كُتبت به، ولن يوجد مكتب براءة اختراع سيرفض حفظ حق من لمع فى ذهنه أى اختراع حتى ولو كان نشارة خشب وبرادة حديد تشفى من الإمساك مادام سيدفع المقابل المادى! وآسف أننى مجبر على تذكير شخصكم الكريم بهذه البديهيات البسيطة.

ما يحزننى هو أننى مضطر آسفاً إلى طرح بديهيات غائبة عن الأذهان، يُعتَّم عليها لصالح ترويج أساطير وخرافات. الدواء يا دكتور عبدالله المحترم الكريم شىء مختلف عن براءة الاختراع وللأسف يتقن أدواته ويفهم معاييره الكفرة من أبناء الغرب بكل انضباط واحترام. الدواء مشوار طويل بالسنوات والعرق والجهد والنقاش والتفنيد، تجارب بالسنين على الحيوانات وفيها حركية الدواء وديناميكيته وأعراضه الجانبية وتشوهات الأجنة... إلخ، ثم تجارب على متطوعين أصحاء ومرضى، ثم يُنشر البحث فى مجلة علمية محكمة، ويقدم ملف كامل واف بالدواء لهيئة التسجيل، وأتحدى أن يكون اكتشافكم العظيم قد مر بكل هذا أو نشر فى مجلة من مجلات السرطان المحكمة الدولية!

ومضطر أيضاً أن أذكركم ببديهية أخرى من الممكن أن تكون قد غابت عن سيادتكم فى زحمة انشغالاتكم بأبحاث بول الإبل، وهى أنه لم يعد هناك ما يسمى أن الدواء الفلانى يشفى السرطان أو الكبد أو الروماتويد، فلا يوجد علاج لمرض على بعضه أو عضو كامل، ولكن هناك دواء يؤثر على ميكانيزم أو إنزيم أو هرمون أو عملية معينة فى الأيض ... إلخ، وأتمنى أن تخبرنى سيادتكم بهذه الجزئية أو هذا الميكانيزم من فضلكم دام فضلكم وأغدق على الأمة العربية من فيض علمكم.